حتى تنتهي إليه (1)
(1) أي : إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبق في الحديث ما يكون بعد ذلك.
وهذه الشفاعة العظمى لا تكون لأحد أبداً إلا للرسول عليه الصلاة والسلام، وهي أعظم الشفاعات؛ لأن فيها إراحة الناس من هذا الموقف العظيم والكرب والغم.
وهؤلاء الرسل الذي ذكروا في حديث الشفاعة كلهم من أولي العزم، وقد ذكرهم الله تعالى في موضعين من القرآن: في سورة الأحزاب، وفي سورة الشورى.
أما في سورة الأحزاب ؛ ففي قوله تعالى
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (الأحزاب:7) .
وأما في سورة الشورى ؛ فقوله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى)(الشورى: من الآية13).
تنبيه:
قوله: " الأنبياء ؛ آدم ونوح…" إلى آخره: جزم المؤلف رحمه الله بأن آدم نبي ن وهو كذلك ؛ لأن الله تعالى أوحى إليه بشرع أمره ونهاه.
وروى ابن حبان في " صحيحه" : أن أبا ذر سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هل كان آدم نبياً؟ قال : " نعم".
فيكون آدم أول الأنبياء الموحى إليهم ، وأما أول الرسل ؛ فنوح ؛ كم هو صريح في حديث الشفاعة وظاهر القرآن في قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )(النساء: من الآية163)، وقوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)(الحديد: من الآية26).
وأما الشفاعة الثانية: فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة (1)……………………………………
(1)وذلك أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط؛ وقفوا على قنطرة، فيقتص لبعضهم من بعض
، فيقتص لبعضهم من بعض، وهذا القصاص غير القصاص الذي كان في عرصات القيامة، بل هو قصاص أخص، يطهر الله فيه القلوب، ويزيل ما فيا ن أحقاد وضغائن؛ فإذا هُذبوا ونُقوا ؛ إذن لهم في دخول الجنة.
ولكنهم إذا أتوا إلى الجنة؛ لا يجدونها مفتوحة كما يجد ذلك أهل النار؛ فلا تفتح الأبواب ، حتى يشفع النبي صلى الله علي وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها، فيدخل كل إنسان من باب العمل الذي يكون أكثر اجتهاداً فيه من غيره، وإلا ؛ فإن المسلم قد يدعى من كل الأبواب.
وهو صريح فيما رواه مسلم [264] عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما ؛ قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم ، فيقولون: يا أبانا ! استفتح لنا الجنة..." وذكر الحديث ، وفيه:" فيأتون محمداً، فيقوم فيؤذن له.." الحديث.
وهاتان الشفاعتان (1) خاصتان له (2)..................................................................
(1) يعني : الشفاعة في أهل الموقف أن يقضى بينهم، والشفاعة في دخول الجنة.
(2) أي : للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولذلك يعتذر عنهما آدم وأولو العزم من الرسل .
وهناك أيضاً شفاعة ثالثة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لا تكون لغيره، وهي الشفاعة في عمه أبي طالب، وأبو طالب – كما في " الصحيحين"[265] وغيرهما- مات على الكفر. فأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام عشرة؛ وغيرهما ادرك الإسلام منهم أربعة؛ فبقي اثنان على الكفر وأسلم اثنان:
فالكافران هما:
أبو لهب: وقد أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم إساة عظيمة وأنزل الله تعالى فيه وفي امرأته حمالة الحطب سورة كاملة في ذمهما ووعيدهما.
والثاني: أبو طالب ، وقد أحسن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إحساناً كبيراً مشهوراً ، وكان من حكمة الله عز وجل أن بقي على كفره؛ لأنه لو لا كفره؛ ما حصل هذا الدفاع عن الرسول عليه الصلاة ، بل كان يؤذي كما يؤذى الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن بجاهه العظيم عند قريش وبقائه على دينهم صاروا يعظمونه وصار للنبي علي الصلاة والسلام جانب من الحماية بذلك.
واللذان أسلما هما العباس وحمزة ، وهو افضل من العباس ، حتى لقبه الرسول عليه الصلاة والسلام أسد الله ، وقتل شهيداً في أحد رضي الله عنه وأرضاه ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء.
فأبو طالب أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشفع فيه ، مع أنه كافر، فيكون هذا مخصوصاً من قوله تعالى (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (المدثر:48) ، ولكنها شفاعة لم تخرجه من النار، بل كان في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه؛ قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" ولولا أنا ؛ لكان في الدرك الأسفل من النار"[266]، وليس هذا من أجل شخصية أبي طالب، لكن من أجل ما حصل من دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه.
وأما الشفاعة الثالثة، فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم ، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها (1)..................................
(1) قوله :" وأما الشفاعة الثالثة؛ فيشفع فيمن استحق النار" ؛ أي: من عصاة المؤمنين.
وهذه لها صورتان : يشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها ، وفيمن دخلها أن يخرج منها.
أما فيمن دخلها أن يخرج منها ؛ فالأحاديث ي هذا كثيرة جداً ، بل متواترة.
وأما فيمن استحقها أن لا يدخلها ؛ فهذه قد تستفاد من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالمغفرة والرحمة على جنائزهم؛ فإنه من لازم ذلك أن لا يدخل النار؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :" اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين...." الحديث[267].
*لكن هذه شفاعة في الدنيا؛ كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ما من رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً؛ إلا شفعهم الله فيه [268].
*وهذه الشفاعة ينكرها من أهل البدع طائفتان؛ المعتزلة والخوارج لأن المعتزلة والخوارج مذهبهما في فاعل الكبيرة أنه مخلد في نار جهنم ، فيرون من زنى كمن أشرك بالله؛ لا تنفعه الشفاعة، ولن يأذن الله لأحد بالشفاعة له.
وقولهن مردود بما تواترت به الأحاديث في ذلك.
*قوله :" وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم "؛ فليشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها ، يعني : أنها ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسل م، بل تكون للنبيين ؛ حيث يشفعون في عصاة قومهم، وللصديقين يشفعون في عصاة اقاربهم وغيرهم من المؤمنين، وكذلك تكون لغيرهم من الصالحين، حتى يشفع الرجل في أهل ه وفي جيرانه وفيما أشبه ذلك .
ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة ، بل بفضله ورحمته (1)......................................
(1)يعني : أن الله تعالى يخرج من عصاة المؤمنين من شاء بغير شفاعة ، وهذا من نعمته؛ فإن رحمته سبقت غضبه، فيشفع الأنبياء والصالحون والملائكة وغيرهم، حتى لا يبقى إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج من النار من يخرج بدون شفاعة ، حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أصحاب النار، فقد روى الشيخان البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم :" أن الله تعالى يقول : شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط؛ قد عادوا حمماً........." الحديث[269]
· * *
(1)الأمر الثاني عشر مما يكون يوم القيامة:
وهو ما ذكره المؤلف بقوله :" ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا".
الجنة عرضها السماوات والأرض، وهذه الجنة التي عرضها السماوات والأرض يدخلها أهلها ، ولكن لا تمتلئ
وقد تكلف الله عز وجل للجنة وللنار لكل واحدة ملؤها:
-"فالنار لا تزال يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد؟ فلا تمتلئ، فيضع الله عز وجل عليها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول : قط قط"[270]
- وأما الجنة؛ فينشئ لها أقواماً، فيدخلون الجنة بفضل الله ورحمته:
- ثبت ذلك في " الصحيحين" [271]من حديث انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عيه وسلم وعلى آله وسلم، وهذا مقتضى قوله تعالى: ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )(الأنعام: من الآية54)، وقول النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام يما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى :" إن رحمتي سقبت غضبي"[272]
ولهذا قال المؤلف :" فينشئ الله لها أقواماً ، فيدخلهم الجنة".
(1)الأصناف : الأنواع.
(2)سبق معنى الحساب.
(3)الثواب: جزاء الحسنات ؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
(4)العقاب : جزاء السيئات، ومن جاء بالسيئة ؛ فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون.
(5)الجنة : هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر؛(َلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17) ؛ أي : لا تعلم حقيقته وكنهه.
والجنة موجودة الآن؛ لقوله تعالى : ( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، والأحاديث في هذا المعنى متواترة.
ولا تزال باقية أبد الآبدين؛ لقوله تعالى: )وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود:108)، وقوله (خَالِدِينَ فِيهَا أبدا) ؛ في آيات متعددة.
والنار (1) وتفاصيل ذلك مذكور في الكتب المنزلة من السماء(2) والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء (3)......
(1)النار: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأعدائه، وفيها من أنواع العذاب والعقاب ما لا يطيق.
وهي موجودة الآن ؛ لقوله تعالى : ( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)(آل عمران: من الآية131)، والأحاديث في هذا المعنى مستفيضة مشهورة.
وأهلها خالدون فيها أبداً؛ لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (الأحزاب:64-65)
وقد ذكر الله خلودهم أبداً في ثلاث آيات من القرآن ؛ هذه أحدها ، والثانية في آخر سورة النساء، والثالثة في سورة الجن، وهي ظاهرة في أن النار لا تزال باقية أبد الآبدين.
(2)يعني: مثل التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى وغيرها من الكتب المنزلة؛ فقد ذكر فيها ذلك مبيناً مفصلاً لحاجة الناس، بل ضرورتهم إلى بيانه وتفصيله؛ إذ لا يمكنهم الاستقامة إلا بالإيمان باليوم الآخر الذي يجازي فيه كل عامل بما عمل من خير وشر.
(3) اعلم أن العلم المأثور عن الأنبياء قسمان:
القسم الأول: قسم ثبت بالوحي، وهو ما ذكر في القرآن والسنة الصحيحة، وهذا لا شك في قبوله واعتقاد مدلوله.
القسم الثاني: قسم أتى عن طريق النقل غير الوحي، وهذا هو الذي دخل فيه الكذب والتحريف والتبديل والتغيير.
ولهذا لا بد من أن يكون الإنسان حذراً مما ينقل بهذه الطريقة عن الأنبياء السابقين، حتى قال الرسول صلى عليه الصلاة والسلام :" إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، قولوا : آمنا بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم [273]، لأنك إن صدقت؛ قد تصدق بباطل، وإن كذبته؛ قد تكذب بحق؛ فلا تصدق ولا تكذب؛ قل: إن كان هذا من عند الله ؛ فقد آمنت به.
وقد قسم العلماء ما أثر عمن سبق ثلاثة أقسام:
الأول: ما شهد شرعنا بصدقه.
الثاني: ما شهد شرعنا بكذبه.
والحكم في هذين واضح.
الثالث: ما لم يحكم بصدقه ولا كذبه.
فهذا مما يجب فيه التوقف؛ لا يصدق ولا يكذب.
وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي (1)...................
(1) العلم الموروث عن محمد صلوات الله وسلامه عليه سواء في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عيه وسلم فيه من ذلك ما يشفي ويكفي.
فلا حاجة إلى أن نبحث عن مواعظ ترقق القلوب من غير الكتاب والسنة، بل نحن في غنى عن هذا كله؛ ففي العلم الموروث عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشفي ويكفي في كل أبواب العلم والإيمان.
ثم المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب الوعظ والفضائل ترغيباً أو ترهيباً ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صحيح مقبول ، وضعيف ، وموضوع؛ فليس كله صحيحاً مقبولاً، ونحن في غنى عن الضعيف والموضوع.
- فالموضوع اتفق العلماء رحمهم الله على أنه لا يجوز ذكره ونشره بين الناس؛ لا في باب الفضائل والترغيب والترهيب، ولا في غيره ؛ إلا من ذكره ليبين حاله.
- والضعيف اختلف فيه العلماء ، والذين قالوا بجواز نشره ونقله اشترطوا ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن لا يكون الضعف شديداً
الشرط الثاني: أن يكون أصل العمل الذي رتب عليه الثواب أو العقاب ثاباً بدليل صحيح.
الشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسل مقاله، بل يكون متردداً غير جازم ، لكنه راج في باب الترغيب ، خائفٌ في باب الترهيب.
أما صيغة عرضه ؛ فلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يقول: روي عن رسول الله، أو ذكر عنه .... وما أشبه ذلك .
فإن كنت في عوام لا يفرقون بين ذكر وقيل وقال؛ فلا تأت به أبداً؛ لأن العامي يعتقد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قاله؛ فما قيل في المحراب؛ فهو عنده الصواب!
تنبيه:
هذا الباب – أي : باب اليوم الآخر وأشراط الساعة- ذكرت في أحاديث كثيرة فيها ضعف وفيها وضع، وأكثر ما تكون هذه في كتب الرقائق والمواعظ؛ فلذلك يجب التحرز منها، وأن نحذر العامة الذين يقع في أيديهم مثل هذه الكتب.
فمن ابتغاه وجده (1)............................................................................
قوله :" فمن ابتغاه" ؛ أي : طلبه:" وجده".
وهذا صحيح ؛ فالقرآن بين أيدينا ، وكتب الأحاديث بين أيدينا ، لكنها تحتاج إلى تنقيح وبيان الصحيح منها والضعيف، حتى يبني الناس ما يعتقدونه في هذا الباب على أساس سليم.
* * *
فصل
في الإيمان بالقدر
فصل
وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة (1) بالقدر (2)..............................................
(1) "الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة": سبق تعريفعها والكلام عنها في أول الكتاب
(2) القدر في اللغة؛ بمعنى: التقدير ؛ قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، وقال تعالى (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) (المرسلات:23) .
- أما القضاء؛ فهو في اللغة : الحكم.
ولهذا نقول : إن القضاء والقدر متباينان إن اجتمعا، ومترادفان إن تفرقا؛ على حد قول العلماء: هما كلمتان: إن اجتمعتا افترقتا، وإن افترقتا اجتمعتا.
فإذا قيل : هذا قدر الله ؛ فهو شامل للقضاء، أما إذا ذكرا جميعاً؛ فلكل واحد مهما معنى.
- فالتقدير : هو ما قدره الله تعالى في الأزل أن يكون في خلقه.
- وأما القضاء؛ هو ما قضى به الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وعلى هذا يكون التقدير سابقاً.
- فإن قال قائل: متى ؟ قلنا : إن القضاء هو ما يقضيه الله سبحانه وتعالى في خلقه من إيجاد أو إعدام أو تغيير، وإن القدر سابق عليه إذا اجتمعا؛ فإن هذا يعارض قوله تعالى ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2)؛ فإن هذه الآية ظاهرها أن التقدير بعد الخلق؟
فالجواب على ذلك من أحد وجهين:
- إما أن نقول: إن هذا من باب الترتيب الذكري لا المعنوي، وإنما قدم الخلق على التقدير لتتناسب رؤوس الآيات.
- ألم تر إلى أن موسى أفضل من هارون ، لكن قدم هارون عليه في سورة طه في قوله تعالى عن السحرة: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) (طـه:70) ؛ لتتناسب رؤوس الآيات.
وهذا لا يدل على أن المتأخر في اللفظ متأخر في الرتبة.
- أو أن نقول : إن التقدير هنا بمعنى التسوية؛ إي خلقه على قدر معين؛ كقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) (الأعلى:2) ؛ فيكون التقدير بمعنى التسوية.
وهذا المعنى أقرب من الأول؛ لأنه يطابق تماماً لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) ؛ فلا إشكال.
*والإيمان بالقدر واجب، ومرتبته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل حين قال: ما الإيمان؟ قال:" أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره"[274]
وللإيمان بالقدر فوائد؛ منها:
أولاً: أنه من تمام الإيمان ، ولا يتم الإيمان إلا بذلك .
ثانياً: أنه من تمام الإيمان بالربوبية ؛ لأن قدر الله من أفعاله.
ثالثاً: رد الإنسان أموره إلى ربه؛ لأنه إذا علم أن كل شيء بقضائه وقدره؛ فإنه سيرجع إلى الله في دفع الضراء ورفعها، ويضيف السراء إلى الله ، ويعرف أنها من فضل الله عليه.
رابعاً: أن الإنسان يعرف قدر نفسه ، ولا يفخر إذا فعل الخير.
خامساً: هون المصائب على العبد؛ لأن الإنسان إذا علم أنها من عند الله ؛ هانت عليه المصيبة؛ كما قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ )(التغابن: من الآية11)؛ قال علقمة رحمه الله :" هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله ، فيرضى ويسلم".
سادساً: إضافة النعم إلى مُسديها؛ لأنك إذا لم تؤمن بالقدر ؛ أضفت النعم إلى من باشر الإنعام، وهذا يوجد كثيراً في الذين يتزلفون إلى الملوك والأمراء والوزراء؛ فإذا أصابوا منهم ما يريدون؛ جعلوا الفضل إليهم، ونسوا فضل الخالق سبحانه.
صحيح أنه يجب على الإنسان أن يشكر الناس؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:" من صنع إليكم معروفاً؛ فكافئوه"[275]
، ولكن يعلم أن الأصل كل الأصل هو فضل الله عز وجل جعله على يد هذا الرجل.
سابعاً: أن الإنسان يعرف به حكمة الله عز وجل ؛ لأنه إذا نظر في هذا الكون وما يحدث في تغيرات باهرة؛ عرف بهذا حكمة الله عز وجل؛ بخلاف من نسي القضاء والقدر؛ فإنه لا يستفيد هذه الفائدة.
خيره وشره (1).....................................................................................
(1) الخير: ما يلائم طبيعة الإنسان ؛ بحيث يحصل هل به خير أو ارتياح وسرور ، وكل ذلك من الله عز وجل.
- والشر في القدر : ما لا يلائم طبيعة الإنسان ؛ بحيث يحصل له به أذية أو ضرر.
· ولكن ؛ إن قيل : كيف يقال : إن في قدر الله شراً؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" الشر ليس إليه"؟[276]
·فالجواب على ذلك أن يقال: الشر في القدر ليس باعتبار تقدير الله له، لكنه باعتبار المقدور له ؛ لأن لدينا قدراً هو التقدير ومقدوراً؛ كما أن هناك خلقاً ومخلوقاً وإرادة ومراداً؛ فباعتبار تقدير الله له ليس بشر؛ بل هو خير، حتى وإن كان لا يلائم الإنسان ويؤذيه ويضره، لكن باعتبار المقدور؛ فنقول: المقدور إما خير وإما شر؛ فالقدر خير وإما شر؛ فالقدر خيره وشره يراد به المقدور خيره وشره.
ونضرب لهذا مثلاً في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا )(الروم: من الآية41).
ففي هذه الآية بين الله عز وجل ما حدث من الفساد وسببه والغاية منه؛ فالفساد شر وسببه عمل الإنسان السيئ، والغاية منه ) لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم: من الآية41).
فكون الفساد يظهر في البر والبحر فيه حكمة ؛ فهو نفسه شر، لكن لحكمة عظيمة، بها يكون تقديره خيراً.
كذلك المعاصي والكفر شر، هو من تقدير الله، لكن لحكمة عظيمة، لولا ذلك لبطلت الشرائع، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً.
* والإيمان بالقدر خيره وشره لا يتضمن الإيمان بكل مقدور، بل المقدور ينقسم إلى كوني وإلى شرعي:
- فالمقدور الكوني: إذا قدر الله عليك مكروهاً؛ فلا بد أن يقع؛ رضيت أم أبيت.
- والمقدور الشرعي قد يفعله الإنسان وقد لا يفعله، ولكن باعتبار المرضى به فيه تفصيل:
إن كان طاعة لله وجب الرضى به، وإن كان معصية؛ وجل سخطه وكراهته والقضاء عليه؛ كما قال الله عز وجل : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) .
وعلى هذا؛ يجب علينا الإيمان بالمقضي كله ؛ من حيث كونه قضاء لله عز وجل ، أما من حيث كونه مقضياً؛ فقد نرضى به وقد لا نرضى ؛ فلو وقع الكفر من شخص فلا نرضى بالكفر مه، لكن نرضى بكون الله أوقعه.
* * *
فصل
في درجات الإيمان بالقدر
فصل
والإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين (1) فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون (2) بعلمه القديم (3)............................................................................
(1) * إنما قسم المؤلف هذا التقسيم من أجل الخلاف؛ لأن الخلاف في القدر ليس شاملاً لكل مراتبه، وباب القدر من أشكل أبواب العلم والدين على الإنسان ، وقد كان النزاع فيه من عهد الصحابة رضي الله عنهم ، ولكنه ليس مشكلاً لمن أراد الحق .
(2) قوله: فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله علم ما الخلق عاملون": ولم يذكر المؤلف أن الله علم ما يفعله هو ؛ لأن هذه المسألة ليس فيها خلاف، إنما ذكر ما فيه الخلاف، وهو : هل الله يعلم ما الخلق عاملون أو لا يعلمه إلا بعد وقوعه منهم؟
ومذهب السلف والأئمة أن الله تعالى عالم بذلك.
(3) القديم في اصطلاحهم: هو الذي لا أول لابتدائه؛ أي أنه لم يزل فيما مضى من الأزمنة التي لا نهاية لها عالماً بما يعمله الخلق؛ بخلاف القديم في اللغة؛ فقد يراد به ما كان قديماً نسبياً؛ كما في قوله تعالى : ( حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)(يّـس: من الآية39)، ومعلوم أن عرجون النخلة ليس بقديم أزلي، بل قديم بالنسبة لما بعده.
فالله تعلى موصوف بأنه عالم بما الخلق عاملون بعلمه القديم الأزلي، الذي لا نهاية لأوله، عالم جل وعلا بأن هذا الإنسان سيعمل كذا في يوم كذا في مكان كذا بعلمه القديم الأولى؛ فيجب أن نؤمن بذلك:
ودليل ذلك من الكتاب والسنة والعقل:
أما الكتاب ؛ فما أكثر الآيات التي فيها العموم في علم الله ؛ مثل: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(النساء: من الآية32)، (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً )(غافر: من الآية7)، (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(الطلاق: من الآية12)... إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة.
- أما في السنة فإن الرسول غليه الصلاة والسلام أخبر بان الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وبأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأقلام قد جفت وطويت الصحف... والأحاديث في هذا كثيرة.
- وأما العقل ؛ فإن من المعلوم بالعقل أن الله تعالى هو الخالق ، وأن ما سواه مخلوق، ولابد عقلاً أن يكون الخالق عالماً بمخلوقه، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14).
فالكتاب والسنة والعقل كلها تدل على أن الله تعالى عالم بما الخلق عاملون بعلمه الأولي.
الذي هو موصوف به أولاً وابداً (1)....................................................................
(1) قوله:" الذي هو موصوف به أولاً وأبداً" : ففي كونه موصوفاً به أولاً نفي للجهل ، وفي كونه موصوفاً به أبداً نفي النسيان.
ولهذا كان علم الله عز وجل غير مسبوق بجهل ولا ملحوق بنسيان؛
كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لفرعون: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه:52) ، بخلاف علم المخلوق المسبوق بالجهل والملحوق بالنسيان.
إذاً ؛ يجب علينا أن نؤمن بأن الله عالم بما الخلق عاملون بعلم سابق موصوف به أولاً وأبداً.
علم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال (1) ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق (2)..............................................................................................
(1) دليل ذلك ما ثبت في "الصحيحين"عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ؛ قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه..." وذكر أطوار الجنين، وفيه :" ثم يبعث الله ملكاً، فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد....." وذكر تمام الحديث [277].
فالله عالم بذلك قبل أن يخلق الإنسان.
فطاعتنا معلومة لله، ومعاصينا معلومة لله، وأرزاقنا معلومة له، وآجالنا معلومة له، إذا مات الإنسان بسبب أو بغير سبب معلوم؛ فإنه لله معلوم ، ولا يخفى عليه؛ بخلاف علم الإنسان بأجله؛ فإنه لا يعرف أجله؛ فلا يعرف أين يموت، ولا متى يموت، ولا يعرف بأي سبب يموت، ولا يعرف على أي حال يموت؛ نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
وهذا هو الشيء الأول من الدرجة الأولى.
علم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال (1) ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق (1).........................................................................................
(1) دليل ذلك ما ثبت في الصحيحين" عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ؛ قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق:" إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه...." وذكر أطوار الجنين ، وفيه :" ثم يبعث الله ملكاً، فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له : أكتب علمه ورزقه وأجله وشقي أو سعيد..." وذكر تمام الحديث [278].
فالله عالم بذلك قبل أن يخلق الإنسان.
فطاعتنا لله، ومعاصينا معلومة لله، وأرزاقنا معلومة له، وآجالنا معلومة له، إذا مات الإنسان بسبب أو بغير سبب معلوم ؛ فإنه لله معلوم، ولا يخفى عليه ؛ بخلاف علم الإنسان بأجله؛ فإنه لا يعرف أجله؛ فلا يعرف أين يموت، ولا متى يموت، ولا يعرف بأي سبب يموت ولا يعرف على أي حال يموت؛ نسأل الله تعالى حسن الخاتمة.
وهذا الشيء الأول من الدرجة الأولى.
(2) هذا الشيء الثاني من الدرجة الأولى، وهو أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق.
· اللوح المحفوظ : لا نعرف ماهيته؛ من أي شيء؛ أمن خشب ، أم من حديد، أم من ذهب، أم من فضة، أم من زمرد؟ فالله أعلم بذلك؛ إنما نؤمن بأن هناك لوحاً كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق في أن نبحث وراء ذلك، لكن لو جاء في الكتاب والسنة ما يدلنا على شيء؛ فالواجب أن نعتقده.
· ووصف بكونه محفوظاً؛ لأنه محفوظ من أيدي الخلق؛ فلا يمكن أن يلحق أحد به شيئاً أبداً ثانياً : محفوظ من التغيير؛ فالله عز وجل لا يغير فيه شيئاً؛ لأنه كتبه عن علم منه؛ كما سيذكره المؤلف، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله:" إن المكتوب في اللوح المحفوظ لا يتغير أبداً"، وإنما يحصل التغيير في الكتب التي بأيدي الملائكة.
· قوله " مقادير الخلق"؛ أي : مقادير المخلوقات كلها، وظاهر النصوص انه شمل ما يفعله الإنسان، وما يفعله البهائم، وأنه عام وشامل.
ولكن؛ هل هذه الكتابة إجمالية أو تفصيلية؟
قد نقول : إننا لا نجزم بأنها تفصيلية أو إجمالية.
فمثلاً : القرآن الكريم: هل هو مكتوب في اللوح المحفوظ بهذه الآيات والحروف أو أن المكتوب في اللوح ذكره وأنه سينزل على محمد صلى الله عليه وسلم وأنه سيكون نوراً وهدىً للناس وما اشبه ذلك؟
ففيه احتمال : إن نظرنا على ظاهر النصوص؛ قلنا : إن ظاهرها أن القرآن كله مكتوب جملة وتفصيلاً ، وإن نظرنا إلى أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالقرآن حين نزوله؛ قلنا : إن الذي كتب في اللوح المحفوظ ذكر القرآن ، ولا يلزم من كون ذكره في اللوح المحفوظ أن يكون قد كتب فيه؛ كما قال الله تعالى عن القرآن: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء:196) ؛ يعني : كتب الأولين، ومعلوم أن القرآن لم يوجد نصه في الكتب السابقة وإنما وجد ذكره، ويمكن أن نقول مثلها في قوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (البروج:21) (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج:21-22)؛ أي: ذكره في هذا اللوح.
فالمهم أن نؤمن بأن مقادير الخلق مكتوبة في اللوح المحفوظ، وأن هذا اللوح لا يتغير ما كتب فيه؛ لأن الله أمره أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.
فأول ما خلق الله القلم قال له : أكتب. قال : ما أكتب؟(1) ..............................................
(1) قوله :" فأول ما خلق الله القلم ؛ قال له : "أكتب": فأمره أن يكتب ؛ مع أن القلم جماد.
فكيف يوجه الخطاب على الجماد؟!
والجواب عن ذلك : أن الجماد بالنسبة إلى الله عاقل يصح أن يوجه غليه الخطاب: قال الله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت:11) ؛ فوجه الخطاب إليهما ، وذلك جوابهما، وكان الجواب بجمع العقلاء طائعين دون طائعات.
وقال تعالى : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الأنبياء:69) فكانت كذلك.
وقال تعالى : ( يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ )(سـبأ: من الآية10)؛ فكانت الجبال تؤوب معه.
* والحاصل أن الله أمر القلم أن يكتب، وقد امتثل القلم، لكنه أشكل عليه ماذا يكتب؛ لأن الأمر مجمل، فقال :" ما أكتب؟" أي: أي شيء أكتب؟
قال (1) اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة (2) فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطاه لم يكن ليصيبه (3)......................................................................................................
(1) أي: الله.
(2) * اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة": فكتب القلم بأمر الله ما هو كائن إلى يوم القيامة.
فانظر كيف علم القلم ماذا يكون إلى يوم القيامة، فكتبه؛ لأن الله أمر الله عز وجل لا يرد.
وقوله:" ما هو كائن إلى يوم القيامة": يشكل ما كان من فعل الله تعالى وما كان من أفعال الخلق.
(3) * إذا آمنت بهذه الجملة؛ اطمأننت : ما أصاب الإنسان ؛ لم يكن ليخطئه أبداً.
ومعنى " ما أصاب": يحتمل أن المعنى: ما قدر أن يصيبه؛ فإنه لن يخطئه، ويحتمل أن ما أصابه بالفعل لا يمكن أن يخطئه، حتى لو تمنى الإنسان ، وهما معنيان صحيحان لا يتنافيان.
وما اخطاه لم يكن ليصيبه أي: ما قدر أن يخطئه فإنه لم يكن ليصيبه، أو المعنى: ما أخطاه بالفعل، لأنه معروف أنه غير صائب، ولو تمنى الإنسان ، وهم معنيان صحيحان لا يتنافيان.
جفت الأفلام (1) وطويت الصحف (2) ، كما (3) قال سبحانه وتعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ(4) أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ(5) إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ(6) إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(7)) .................................
(1) "الأقلام": هي أقلام القدر التي كتب الله بها المقادير ؛ جفت وانتهت.
(2) * وطويت الصحف،وهذا كناية عن أن الأمر انتهى.
وفي صحيح مسلم"[279] عن جابر رضي الله عنه ؛ قال : جاء سراقة بن مالك بن جعشم؛ قال: يا رسول الله! بين لنا ديننا كأننا خلقنا الآن فيم العمل اليوم؛ أفيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير؟ أم فيما نستقبل ؟ قال :"لا؛ بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير" قال: ففيم العمل؟ قال: " اعملوا ؛ فكل ميسر".
(3) "كما" الكاف في مثل هذا التعبير للتعليل.
(4) (الم تعلم) أيها المخاطب.
(5) (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ): وهذا عام؛ علم لما فيهما من أعيان وأوصاف وأعمال وأحوال.
(6) (إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ) وهو اللوح المحفوظ
(7) (إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )أي : الكتابة على الله أمر يسير.
وقال (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْض)ِ (1)وَلا فِي أَنْفُسِكُم(2)ْ إِلَّا فِي كِتَاب(ٍ3) مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) وهذا التقدير التابع لعمله سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلاً، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق حسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له : اكتب ، رزقه، وعمله، وشقي أم سعيد ونحو ذلك(4)......................................................
(1)( فِي الْأَرْضِ) :كالجدب والزلازل والفيضانات وغيرها.
(2)( وَلا فِي أَنْفُسِكُم):كالمرض والأوبئة المهلكة وغير ذلك.
(3) (إِلَّا فِي كِتَابٍ): وهو اللوح المحفوظ.
(4)(نبرأها): أي من قبل أن نخلقها، والضمير في (نبرأها): يحتمل أن يعود على المصيبة، ويحتمل أن يعود على الأنفس، ويحتمل أن يعود على الأرض، والكل صحيح؛ فالمصيبة قد كتبت قبل أن يخلقها الله عز وجل، وقبل أن يخلق النفس المصابة، وقبل أن يخلق الأرض.
وفي " صحيح مسلم"[280]عن عبد الله بن عمرو؛ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.قال : وكان عرشه على الماء"
(5)قوله :" في مواضع"؛ مواضع غير اللوح المحفوظ ما شاء. وإذا خلق حسد الحنين قبل نفخ الروح فيه ؛ بعث إليه ملكاً ، فيؤمر بأربع كلمات، فيقال له: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أم سعيد ونحو ذلك".
· فهذان موضعان: الأول: اللوح المحفوظ، وسبق دليل ذلك وتفصيل القول فيه.
والثاني: الكتابة العمرية التي تكون للجنين في بطن أمه، وسبق دليلها في حديث ابن مسعود رضي الله عنه [281].
والموضع الثالث: ما أشار إليه بقوله:" ونحو ذلك"، وهو التقدير الحولي الذي يكون في ليلة القدر؛ فإن ليلة القدر يكتب فيها ما يكون في تلك السنة؛ كما قال تعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (الدخان4-5).
فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديماً ومنكروه اليوم قليل(1) وأما الدرجة الثانية (2) فيهي مشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه(3)...........................................
(1) * "هذا التقدير" ؛ يعني : العلم والكتابة، وينكره غلاة القدرية قديماً، ويقولون : إن الله لا يعلم أفعال العبد إلا بعد وجودها، وأنها لم تكتب ، ويقولون: إن الله لا يعلم أفعال العبد إلا بعد وجودها ، وأنها لم تكتب ويقولون: إن الأمر أنف؛ أي: مستأنف، لكن متأخروهم أقروا بالعلم والكتابة، وانروا المشيئة والخلق، وهذا بالنسبة لأفعال المخلوقين.
أما بالنسبة لأفعال الله ؛ فلا أحد ينكر أن الله عالم بها قبل وقوعها.
وهؤلاء الذين ينكرون علم الله بأفعال العبد حكمهم في الشرع أنهم كفار؛ لأنهم كذبوا قول الله تعالى ( وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(البقرة: من الآية282)، غيرها من الآيات، وخالفوا المعلوم بالضرورة من الدين.
(2) يعني: من درجات الإيمان بالقدر.
(3) يعني: أن تؤمن بأن مشيئة الله نافذة في كل شيء، سواء كان مما يتعلق بفعله أو يتعلق بأفعال المخلوقين، وأن قدرته شاملة، ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً)(فاطر: من الآية44).
(4) وهذه الدرجة تتضمن شيئين؛ المشيئة و الخلق:
- أما المشيئة فيجب أن نؤمن بأن مشيئة الله تعالى نافذة ف يكل شيء، وأن قدرته شاملة لكل شيء من أفعاله وأفعال المخلوقين.
- وأما كونها شاملة لأفعاله ؛ فالأمر فيها ظاهر.
- وأما كونها شاملة لأفعال المخلوقين فلأن الخلق كلهم ملك لله تعالى ، ولا يكون في ملكه إلا ما شاء.
- والدليل على هذا:
- قوله تعالى : ( فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(الأنعام: من الآية149).
- وقوله سبحانه
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً )(هود: من الآية118).
- وقوله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا)(البقرة: من الآية253).
- فهذه الآيات تدل على أن أفعال العباد متعلقة بمشيئة الله.
- وقال تعالى : (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ )(الإنسان: من الآية30).
- وهذه تدل على أن مشيئة العبد داخلة تحت مشيئة الله وتابعة لها.
لا يكون في ملكه ما لا يريد (1) وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات (2)......
(1)هذه العبارة تحتاج إلى تفصيل: لا يكون في ملكه ما لا يريد بالإرادة الكونية، أما بالإرادة الشرعية، فيكون في ملكه ما لا يريد.
وحينئذ ؛ نحتاج إلى أن نقسم الإرادة إلى قسمين: إرادة كونية، وإرادة شرعية:
- فالإرادة الكونية بمعنى المشيئة، ومثالها قول نوح عليه السلام لقومه: (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ )(هود: من الآية34).
- والإرادة الشرعية بمعنى المحبة، مثلها قوله تعالى (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ )(النساء: من الآية27).
- وتختلف الإرادتان في موجبهما وفي متعلقهما:
- ففي المتعلق: الإرادة الكونية تتعلق فيما وقع ، سواء أحبه أم كرهه، والإرادة الشرعية تتعلق فيما أحبه، سواء وقع أم لم يقع.
وفي موجبهما: الإرادة الكونية يتعين فيها وقوع المراد، والإرادة الشرعية لا يتعين فيها وقوع المراد.
وعلي هذا يكون قول المؤلف :" ولا يكون في ملكه ما لا يريد"؛ يعني به: الإرادة الكونية.
* فإن قال قائل : هل المعاصي مرادة لله؟
فالجواب: أما بالإرادة الشرعية؛ فليست مرادة له؛ لأنه لا يحبها، وأما بالإرادة الكونية؛ فهي مرادة له سبحانه؛ لأنها واقعة بمشيئته.
(2)كل شيء؛ فالله قادر عليه من الموجودات؛ فيعدمها أو يغيرها ومن المعدومات ؛ فيوجدها.
فالقدرة تتعلق في الموجود بإيجاده أو إعدامه أو تغييره، وفي المعدوم بإعدامه أو إيجاده.
فمثلاً ، كل موجود ؛ فالله قدر أن يعدمه، وقادر أن يغيره؛ أي: ينقله من حال إلى حال، وكل معدوم؛ فالله قدر على أن يوجده؛ مهما كان؛ كما قال الله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة: من الآية20).
· ذكر بعض العلماء استثناء من ذلك، وقال : إلا ذاته؛ فليس عليها بقادر! وزعم أن العقل يدل على ذلك.
فنقول : ماذا تريد بانه غير قادر على ذاته؟
- إن أردت أنه غير قادر على أن يعدم نفسه أو يلحقها نقصاً؛ فنحن نوافقك على أن الله لا يلحقه النقص أو العدم، لكننا لا نوافقك على أن هذا مما تتعلق به القدرة؛ لأن القدرة إنما تتعلق بالشيء الممكن، أما لاشيء الواجب أو المستحيل ؛ فهذا لا تتعلق به القدرة أصلاً؛ لأن الواجب مستحيل العدم، والمستحيل مستحيل الوجود.
- وإن أردت بقولك: إنه غير قادر على ذاته: أنه غير قادر على أنه يفعل ما يشاء ؛ فلا يقدر أن يجيء أو نحوه! فهذا خطأ ، بل هو قادر على ذلك، وفاعل له، ولو قلنا : إنه ليس بقادر على مثل هذه الأفعال ؛ لكان ذلك من أكبر النقص الممتنع على الله سبحانه.
- وبهذا علم أن هذا الاستدراك من عموم القدرة في غير محله على كل تقدير.
- * وإنما نص المؤلف على هذا رداً على القدرية الذين قالوا: إن الله ليس بقادر على فعل العبد!! وإن العبد مستقل بعمله!
ولكن ما في الكتاب والسنة من شمول قدرة الله يرد عليهم.
فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه (1)..................................
هذ1 صحيح بلا شك ولهذا دليل أثري ودليل نظري:
- أما الدليل الأثري: فقد قال الله تعالى : (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)(الزمر: من الآية62).
وقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور:36)
فلا يمكن أن يوجد شيء في السماء والأرض إلا الله خالقه وحده.
ولقد تحدى الله العابدين للأصنام تحدياً أمرنا أن نستمع له ، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً )، ومعلوم أن الذين يدعون من دون الله في القمة عندهم؛ لأنهم اتخذوا أرباباً ؛ فإذا عجز هؤلاء القمة عن أن يخلقوا ذباباً ، وهو أحس الأشياء وأهونها؛ فما فوقه من باب أولى، بل قال: )هُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْه)(الحج: من الآية73) ؛ فيعجزون حتى عن مدافعة الذباب وأخذ حقهم منه.
فإن قيل: كيف يسلب هذه الأصنام شيئاً؟!
فالجواب: قال بعض العلماء : إن هذا على سبيل الفرض؛ يعني: على فرض أن يسلبهم الذباب شيئاً؛ لا يستنقذوه منه. وقال بعضهم : بل على سبيل الواقع؛ فيقع الذباب على هذه الأصنام ، ويمتص ما فيها من أطياب؛ فلا تستطيع الأصنام أن تخرج ما امتصه الذباب.
وإذا كانت عاجزة عن الدفع عن نفسها ، واستنقاذ حقها؛ فهي عن الدفع عن غيرها واستنقاذ حقه أعجز.
والمهم أن الله تعالى خالق كل شيء، وأن لا خالق إلا الله ، فيجب الإيمان بعموم خلق الله عز وجل ، وأنه خالق كل شي، حتى أعمال العباد؛ لقوله تعالى (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)(الرعد(16)، وعمل الإنسان من الشيء، وقال تعالى ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)(الفرقان: من الآية2) ... والآيات في هذا كثيرة.