تآملات قرآنية للشيخ المغامسي
(قولاَ له قولا ليناَ )
هذا خطاب الله لمن يعاديه فكيف خطاب الله لمن يحبه ويناجيه ..!
ولذلك لايهلك على الله إلا هالك .
1-يقال في تعريف علم الله :علم لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان , وأي علم غير علم الله يسبقه جهل وقابل أن يعتريه نسيان ..
2-"فألقي السحرة سجداَ قالوا آمنا برب هارون وموسى "الآن تأمل رحمة الله كانوا في أول النهار كفره سحره فجار،ثم أصبحوا في آخر النهار مؤمنين سجداَ أبرار نسأل الله جل وعلا الثبات على الهداية .. لا توجد نعمه تعدل نعمة الهدايه ، أي نعمة غير نعمة الهدايه لاتنجي من النار
الإنسان لو عاش حياته كلها عاريا جائعا مريضاَ مقعدا لكنه مهتدي إلى الله نجى من النار ، ولو عاش حياته كلها مترفاَ غنياَ ينال من الشهوات ولم يهتدي إلى الله لم ينجو من النار والعبرة كلها بالنجاة من النار،قال الله " فمن زحزح عن النار وأٌدخِـل الجنة فقد فاز " فينبغي أن يكون سعي الإنسان في الشيء الذي ينجيه من عذاب الله أعظم من سعيه في طلب مطعومه ومشروبه وسائر أمره
و ينبغي أن يكون أعظم اجتهاده فيما ينجيه من عذاب الله جل وعلا.
3-السجود من أعظم أسباب الثبات ،فهؤلاء السحرة واجهوا فرعون بجبروته وطغيانه وتمرده وجنده وقتله وصلبه وليس لهم في الدين عباده واحده إلا السجود،ما صنعوا شيء إلا أنهم سجدوا لله , والسجود للرب تبارك وتعالى ..
من أعظم القٌربات وقد قال صلى الله عليه وسلم ،"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"فادخروا لله في فلق الأسحار وظلمات الليل في بيوتكم ادخروا لله سجدات تسجدون بها لربكم تعفرون بها جباهكم وتناجون بها ربكم وتثنون عليه جل وعلا بما هو أهله من الحمد والثناء ثم اسألوا الله من خيري الدنيا والآخره،هذا يجعلك في نهارك ثابت أمام الشهوات مواصلاَ طاعتك وهدايتك إلى ربك إلى يوم أن تلقاه،
{إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لايموت فيها ولايحي ومن يأته مؤمناَ قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى }.
4-وإذا أراد الله بالعبد المؤمن خيراَ نزع من قلبه حب الدنيا والتعلق بها ،فإن حب الدنيا رأس كل خطيئه فالذي
يسرق يسرق لينال مال والذي يظلم يظلم ليريد علواَ والذي يزني يزني ليريد شهوه وهذا كله من متاع الحياة الدنيا.
5-"{وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} "
*أمر الإنسان أهل بيته بالصلاة من أعظم القربات لأن الله نعت بها نبي من أنبيائه والله لايمدح على شيء غير ذي بال قال الله جل وعلا عن إسماعيل( كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة) والإنسان أحياناَ لا يستجاب له , قد يكون مرحلة الابن أو كونه شاباَ أو لايطيعه هذا وارد فلا تلجأ إلى الجبروت حتى لاتكره في الدين لكن فليكن لك شيء تحتج به عند الله وانت تنزل من الدار وأنت تخرج من الطرقات تنادي على أهلك بالصلاة, استجاب من استجاب ومن لم يستجب لم يستجب , وأنت تدرس بالجامعة في سكن وأنت مار في الطرقات
نادي بالصلاة, وأنت مار في الحي قدر الإمكان لا ضرر ولا ضرار لا يوصل إلى إزعاج الناس النائمين ولا يترك الأمر . وأنت في عماره متعددة الأدوار،في سفر مع رفقائك في أي مكان تمر على البقالات على أي ناس بصرف النظر عن استجابتهم . لكن أنت أدي ماعليك تأسى بالاخيار تأسى بالأنبياء
"وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لانسألك رزقاَ نحن نرزقك " الله جل وعلا هو الرزاق ذو القوة المتين والصلاة أعظم مما يجلب الرزق "نحن نرزقك والعاقبة للتقوى"ولاريب أن المتقين من أهل العاقبة وأهل النجاة ..
6-إن الإنسان حتى يكون قريب من الله محبب من خلقه يكون حسن اللسان قال الله تعالى "وقولوا للناس حسنا "ومن حقك أن تطالب بحقك لكن أطلب حقك بكمال أدب وحسن لفظ وتشبه بالصالحين والأخيار في قولهم ومنطقهم ..
7-(والذين هم عن اللغو معرضون )اللغو مالا فائدة فيه من الأقوال والأفعال ويدخل فيه الشرك في المقام الأول ولكن هنا يدخل من الشرك ومادون الشرك..
*الإنسان المؤمن الذي ينشد الفلاح دنيوياَ وأخروياَ يفر من كل ما يقدح في مروءته ويخدش فيها ويفر من مواطن اللغو ايا كانت . قال الله عن أتقيائه وعباده
"وإذا مروا باللغو مروا كراما"أي لايصيبهم الأذى ولاينال منهم شيء وكلما كان الإنسان بعيداَ عن مواطن اللغو مترفعاَ عنها لايفزع بنفسه إليها كان أقرب إلى طرائق الكمال
وأقرب إلى رحمة الكبير المتعال ..
8-الإنفاق من الأموال من أعظم دلائل حسن ظن العبد بربه لأنه إذا أنفق ظن بالله ظن حسناَ في أن الله يخلفه في الدنيا ويريه إياها في الآخره , ومن ساء ظنه بربه بخل واستغنى وحرم الناس من خيره لأنه عياذ بالله ليس على ثقة في أن الله يخلفه وليس على ثقة في أن الله يكافئه يوم القيامة ..ولهذا قال الله
" ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون "
وإنما يتأكد الإنفاق في حالة يكون المرء ليس بالغني المفرط ولا بالفقر المدقع الذي ليس عنده شيء وهذا لايعني عدم القبول ولكن نتأكد عن أهمية الإنفاق يعني الابتلاء الحق عندما يكون الإنسان في مرحلة الوسط لماذا؟ لأن الفقير الذي لايملك شيء يقول هي المسألة منتهية منتهية وهو ليس معي أصلاَ إلا 10 ريال
لاتقدم ولاتؤخر فلو انفقتها خيرآ لي والغني المفرط يقول أنا أملك ملايين فلو تصدقت بـ 100 أو بـ 200 أو بــ300 فلاتغير من أمري شيئـآ ,, لكن قـآل صلى الله عليه وسلم
أن تتصدق وانت صحيح شحيح تخشى الفقر وترجو الغنى )لو أنفقت تنتقل من الوسط إلى الفقر ولو أبقيت تؤمل أن تنتقل إلى كونك غنياَ فهذا هو المحك والزمن الحقيقي لقضية الإنفاق.
9-"وتوبوا إلى الله جميعاَ أيها المؤمنون لعلكم تفلحون " التوبة وظيفة العمر لايستغني عنها أحد وكلنا أجمعون نخطئ لكن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول"خير الخطائين التوابون"
وقد جاء في الآثار أنه خلق أبانا آدم وأسجد له ملائكته قال إبليس وعزتك وجلالك لأغوينهم فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي لاغفرن لهم مااستغفروني وفي الحديث الصحيح" إنكم لتخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاَ فأستغفروني أغفر لكم) وطوبى لمن وجدت صحيفته مليئة بالإستغفار غفرالله لي ولكم الذنوب والخطايا..
10-لا تحاول أن تقف على أحد في موطن يغلب على ظنك أنك سترى فيه عورة ، لأنك من رأيت فيه عورة ، [عورة هنا بمعنى منقصة]
سيقل في عينيك سيقل في نفسك ، فمن هو عظيم في نفسك لا تحاول أن تكشف له عورة حتى لا يهون في نفسك حتى والداك حتى لا يقل عظمتهما في نفسك وهذا أمر معروف وعلى هذا يقال فإن قدر لأحد أنه وقف على عورة أحد ، [عورة أحد بمعنى هيئة أو عورة لسانية أو معصية رآها في أحد] ، فإنك إذا أردت درجات الكمال ما وقفت عليه من عورة من غير قصد ثم كتمته عن الناس هذا والله من أعظم أسباب رفعتك في الدنيا والآخرة ، فلا يوجد أحد ليس له معايب ولا عورات والمؤمن الحصيف العاقل له عينان ، عين ينظر بها إلى محاسن الناس وعين ينظر بها إلى عيب نفسه ، وقد قال الشافعي رحمة الله :
وعينك إن أبدت إليك معايب من الناس قل للناس أعينٌ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسنٌ
وعلى قدر إحجامك عن الخوض في عورات الناس وعدم نقلها للغير إذا قدر أنك وقفت عليها ولو من باب المصادفة فإن هذا مما يحفظ الله جل وعلا به عرضك ويستر الله جل وعلا به معايبك ، وهؤلاء الفضلاء الشرفاء الذين تسمعون عنهم من العلماء أو الدعاة أو الصالحين أو العبّاد عبر التاريخ كله لا يعقل أنهم ليس لهم معايب لكن أين رحمة الله ؟ رحمة الله أن الله ستر معايبهم وأظهر محاسنهم ولا ريب أن من أسباب ستر الله جل وعلا لمعايبهم أنهم لا يسعون في ذكر معايب الناس ، ومن الناس عياذاً بالله من إنه لا يذهب إلى مكان أصلاً إلا ليبحث عن عورة أو معيب حتى ينشرها بين الناس وهذا والعياذ بالله في مرحلة دنيئة من الحياة .
11-أن المؤمن ينبغي عليه أن يفر من اللعن قدر الإمكان فلا يعود نفسه على اللعن فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أبي الدرداء وهو صحيح ( إن العبد إذا لعن تصعد اللعنة إلى السماء تسد أمامها أبواب السماء ثم تعاد إلى الأرض فلا تجد لها مساغا فتلتفت يميناً وشمالاً ـ كما قال صلى الله عليه وسلم ـ ثم تذهب إلى من لعن فإن كان أهلاً وإلا رجعت للذي لعن)إذا لعن أي شيء ويؤيده كذلك ما في سنن أبي داوود من حديث صحيح أن عبدالله ابن مسعود الصحابي المعروف كان صديقاً لرجل يقال له أبوعمير فذهب عبدالله ابن مسعود لزيارة أبي عمير فلم يجده فأدخلته أم عمير زوجة أبي عمير أدخلت عبدالله بن مسعود الدار فدخل زي ما يقول الناس اليوم في المجلس فبينما هو ينتظر صاحبه ينتظر أخاه سمع امرأة أبي عمير تقول بعد أن بعثت جارية لعنها الله أبطأت علي.
ماذا فعل ابن مسعود خرج من البيت وجلس خارج الباب ناحية عن البيت فجاء أبو عمير [حديث صحيح في سنن أبي داوود] فجاء أبو عمير فوجد ابن مسعود خارج الدار فقال ما منعك أن تدخل بيت أخيك قال قد دخلت ولكني سمعت امرأتك تلعن جارية لها أبطأت عليها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن اللعنة إذا خرجت من في ـ يعني فم ـ قائلها تذهب إلى من لعن فإن كان لذلك أهلاً وإلا رجعت إلى من لَعن ) فقال ابن مسعود فكرهت أن أكون بسبيل اللعنة ما معنى سبيل؟ طريق.
فكرهت أن أكون بسبيل اللعنة ما حببت أن أجلس في البيت حتى لا تمر اللعنة وإلا هو يعرف أنه لا ناقة له فيها ولاجمل لكن قال كرهت أن أكون في طريق اللعنة فخرج من البيت فاللعن لا يجوز أبداً أن يكثر الإنسان منه كذلك ثبت أن عبد الملك ابن مروان الخليفة الأموي المعروف استضاف أم الدرداء رضي الله عنها وأرضاها فسمعته في الليل وهو في قصره يلعن فلما أصبحت قالت له إنني سمعتك تلعن بعض خدمك وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول( لا يكون اللعانون يوم القيامة شهداء ولا شفعاء).
12-والأدب مع من كان له حق عليك من أعظم ما ينبغي أن يبنى عليه الناس عموما ويبنى عليه طالب العلم خصوصاً فكل من أحسن إليك إما علمياً أو مالياً أو بعفوٍ أو ما شابه ذلك له عليك يد ينبغي أن تحسن إكرامه وأن تجله إجلالاً غير مبالغ فيه لكن حفظ الإنسان للمعروف من أعظم دلائل على حسن معدنه.
13-الإنسان إذا بلغه أن أحداَ مات ميته غير حميده فيما يتناقله الناس لاينبغي أن يشمت بأحد ولايسخر من أحد ويسأل الله جل وعلا العافية وإن الذي أضله قادر على أن يهديه والقلوب بين أصبعين من أصابع الله والإنسان متى مادخل في قلبه الكبر وسوء الظن بالمسلمين ورأى في نفسه فضلاَ على الغير إنقلب حاله وتبدل ماله فتعوذ بالله من سوء العاقبه وسوء الفاتحه , لكن المسلم إذا كان يحتقر نفسه ويستصغر عمله ولايحتقر إخوانه المؤمنين ولايزدري مؤمن أي كان , كان إلى العافيه وحسن الخاتمه أقرب ,
وإذا سلم المسلمون من لسانك ويدك وشماتتك بهم كنت أقرب إلى عفو الله ورحمته تبارك وتعالى ..
وهذا أمر ينبغي للمسلم أن يسلكه متأدبا بأداب القرآن مستعيناَ بالله تبارك وتعالى سائلا ربه العافيه في كل آن وحين..
14-أعظم ما يتم به النصر في الدنيا والآخرة الخوف من ماذا ؟ الخوف من مقام الله ، وما فاز من فاز كما قلنا مراراً في الدروس وفي الخطب ، ما فاز من فاز من عباد الله الصالحين بسعادة الدنيا والآخرة ، السعادة التي لا تظهر في مال أو في جاه أو في غير ذلك من متاع الدنيا ، إنما يشعرون بها في قلوبهم إذا وقفوا بين يدي الله في الصلوات في السجود في التسبيح في الذكر في أي مكان وجدوا
يشعرون بلذة الإيمان في قلوبهم أينما كانت أمكنتهم ، هذا الأمر إنما وجدوه لما وقر في قلبهم الخوف من مقام الله تبارك وتعالى ، ووعد الله جل وعلا على الخوف من مقامه أعظم الهبات قال الله جل وعلا { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}
وقال:{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}وتزكية الإنسان نفسه في هذا العمل ليس التزكية اللفظية أن يمدح نفسه وإنما التزكية بأن يعمل من الصالحات التي يشعر بها نفسه أنه يخاف من مقام الله جل وعلا ، إذا ذكر بالله تذكر ، إذا قيل له اتق الله تراجع ، وإذا خوف بالله خاف هذا هو الخوف من مقام الرب تبارك وتعالى ، أما أن يقولها الإنسان بلسانه ثم يذكر بالله ويخوف بالله ويقال له اتق الله فيصر على معصيته ويمضي في سلوكه ولا يعبأ ولا يبالي بشيء من الأمر هذا لم يهب ولم يخف من مقام الله جل وعلا حق الخوف وحق الخشية { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ }
15-/أن الذي يريد أن يحقق غاية أياً كانت عظمت أو قلت لن يُحققها إلا بالله جل وعلا ، فعلى هذا من أعظم أسباب تحقيق الأماني والغايات التوكل الصادق على رب العالمين جل جلاله
والله جل وعلا يقول:{أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ}والله تبارك وتعالى منجز وعده لا محالة لمن وعدهم من عباده ،
وأعظم ما وعد الله به عباده الجنة لكن المقصود أن الغايات والأماني والمطالب تتحقق إذا صدق العبد في توكله على ربه جل وعلا ،
"والشافعي رحمه الله يقول : ( أهمني أمر ذات يوم فنمت فسمعت منادٍ في المنام يناديني أن ادع الله بهذه الكلمات:
[اللهم إني لا أملك لنفسي حولاً ولا طولاً ، اللهم إني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا موتاً ولا نشورا وإنني لن أستطيع أن آخذ إلا ما أعطيتني ولن أتقي إلا ما وقيتني فوفقني لما تحب وترضى من القول والعمل في عافية]
فيقول رحمه الله: فقمت من النوم فدعوت بها فحقق الله غايتي وأذهب الله جل وعلا همي)"